“ستدق أجراس الصباح حزناً على قدومي” – الكونت أورلوك
اختار المخرج “روبيرت إيجيرز” الظلام هوية له عبر كل تجاربه الاخراجية, لكنها لم تكن يوماً بتلك الكمالية الفنية كما هي الحال الآن ! حيث قرر أن يصب كل هلوسات خياله المظلم في اعادة احياء الوحش النائم “نوسفيراتو” واستطاع بكل حرفية وانغماس خلق بيئة فانتازيا قوطية فائقة الروعة.
في البداية يجب العلم ان فيلم Nosferatu (2024) هو ثالث تبني سينمائي لشخصية مصاص الدماء “الكونت أورلوك” فأول فيلم أُنتج له كان فيلم الرعب الألماني الصامت Nosferatu: A Symphony of Horror الذي أُصدر عام 1922 من إخراج “فريدريش فيلهلم مورناو” وهو يُعتبر أحد أقدم الأفلام التي تناولت شخصية مصاصي الدماء في السينما, ويعتبر ايضاً أحد الروائع الفنية للحركة التعبيرية الألمانية ومن أهمها. أما ثاني اصدار كان فيلم Nosferatu the Vampyre (1979) من إخراج “فيرنر هيرتسوغ” بالأبيض والأسود
تدور أحداث الفيلم في أوائل ثلاثينيات القرن التاسع عشر، حيث تعيش “إيلين” مع زوجها “توماس هوتر” في بلدة ويسبورغ الألمانية. يُكلَّف توماس ببيع منزل مهجور “للكونت أورلوك” أي (نوسفيراتو) وهو نبيل غامض من بوهيميا. مع تطور الأحداث، يتبين أن أورلوك كان مهووسًا بإيلين، مما يؤدي إلى سلسلة من الأحداث المرعبة.
ما يميز هذه القصة انه بالرغم من قدمها إلا انها لا تعتبر كلاسيكية بالمعنى الأكاديمي للكلمة, حيث أن السردية والأحداث تتميز برؤية غير تقليدية لتصوير مصاصي الدماء, التي تناولتهم من الناحية الغرائزية والعاطفية. حتى أن اختيار توقيت الأحداث التي تدور في أوائل ثلاثينيات القرن التاسع عشر, في وقت كانت فيه اوروبا تغرق بالجرذان والطاعون, هو ليس قبيل الصدفة بل هو يرتبط ارتباط وثيق بالروح الأدبية لتلك الفترة, وأعتقد أن هذه الرواية من الروايات الكثيرة التي انبثقت عن تلك الحقبة المأساوية, وهذا ما اضاف لظلامية قصة نوسفيراتو البُعد الحزين والخوف والأجواء الشاعرية ايضاً. وهذا ما لمسناه بالسيناريو الجديد الذي جمع كل تلك المعطيات.
قدم “روبيرت إيجيرز” واحدة من أفضل صوره السينمائية على الاطلاق, فهو تمكن من استخدام الإضاءة والظلال والأصوات وزوايا التصوير لخلق مشاهد سينمائية أيقونية, تؤكد لنا أن السينما القوطية هي الأروع والأكثر ابداعاً وسحراً. لم يهمل شياً ! لقد اعطانا كل ما نرغب ان نراه في تلك الرحلة, من بيوت مهجورة وأمطار وثلوج وضباب وغابات مظلمة وجرذان وقبور. ولم يكتفي ! بل جعل صوت ولهجة “الكونت أورلوك” كرنين أجراس الموت.
أعتقد ان الطاقم التمثيلي كاملاً قد أبدع من “بيل سكارسغارد” في دور “الكونت أورلوك” و“نيكولاس هولت” في دور “توماس هوتر” لكن يجب الخص بالذكر هي الممثلة “ليلي روز ديب” التي فاجئتني حقيقتاً بأدائها المذهل بدور الملتمسة “إيلين هوتر” معشوقة “الكونت أورلوك” فهذا الدور سيصبح بمثابة انطلاقة فنية حقيقية للصاعدة “روز ديب” وليس مجرد دور مارق كأدوارها السابقة, فهي رسمياً الآن دخلت نادي ممثلين الصف الأول من فئة الشباب برأيي, تحكمت الممثلة بمشاعرها وتعابير وجهها وجسدها بطريقة خرافية وكان تمثيلها هو عامل الجذب الأول لمشاهدها دون أي عوامل داعمة اخرى, حتى أن أغلب لقطاتها كانت زاوية كاميرة قريبة وثابتة, وهذا يشكل تحدي أصعب على الممثل, لكن ابنة “جوني ديب” كانت جديرة بهذا التحدي وتفوقت عليه.
ومن المؤكد ايضاً, انه علينا الوقوف بإحترام أمام ابداع الممثل “ويليان دافو” كالعادة, فهو لم يخطأ يوماً, ولم يخيبنا يوماً, فكل ظهور له امام الكاميرة يحول المشهد لمسرح تمثيلي حي لا يصدق.
في النهاية فيلم Nosferatu 2024 يعتبر من أهم انجازات “روبيرت إيجيرز” حتى انه اهم من تجربة The Lighthouse برأيي الشخصي. كما انه النسخة الأكثر شمولية والأكثر نضجاً من جميع النواحي وخصوصاً من الناحية الكتابية والأخراجية والتصويرية والتمثيلية
MUSIC CREDIT : Daybreak (from Nosferatu) ℗ 2024 Back Lot Music Released on: 2024-11-15 Main Artist: Robin Carolan Producer: Robin Carolan Composer: Robin Carolan
CEO-Founder of Cinatopia
Movie Critic