“الأصل في السؤال عن الحريّة وهل أنا حر، هو أنني أريد أن أكون حراً. ولهذا فإن إمكان الحرية ناشئ من إرادتي للحرية، فالحرية ليست شيئاً يحتاج إلى برهان، بل هي قراري أنا أن أكون حراً. وإذن لا تأتي الحرية من خارج، ولا تحتاج إلى شيء لإثباتها بل يكفي أن أقرر أنني حر كيما أكون حراً.”
(عبد الرحمن بدوي – دراسات في الفلسفة الوجودية)
من الصحيح أن السفاحين يؤمنون في الفيلم بالإرادة الحرة للجنس البشري؛ بعيداً عن سيطرة اللاهوت، ويقاتلون من أجل ذلك، لكن هم أنفسهم ينتمون في الوقت ذاته إلى ما يمكن تسميته بالعقيدة أو المذهب أو الجماعة، هذه الجماعة لديها قوانينها الصارمة، وهذا ما يوقع بعض الارتباك بين ما يؤمنون به، وبين ما يسعون لتحقيقه.
جون ويك “البابا ياغا” شخص كان اسطورة في مجاله وكابوس للصديق قبل العدو، قضى حياته مسخراً نفسه لعقيدة القتل التي تربى عليها منذ أن كان يتيماً في بيلاروسيا حتى وجده العم بيوتر وتبناه في برلين , حتى وجد حياة في السلاح عند الغجر الروس ، شخص لم يعرف رفيقاً له سوى صوت الرصاص ورائحة الموت ، ما الذي حصل له واشعل فتيل حرب على مدار 4 أجزاء من السلسلة ?!
وجد الحب ، وجد الهدف والمعنى ، وجد المغزى من وجوده الدنيوي في الحياة ، هيلين التي كانت كرفيقة دربه من الجحيم إلى جنة الحب ، اشبه بفيرجل الذي أخرج دانتي من دوائر الجحيم التسعة ، وقدمت له الارادة بأن يكون حراً يمتلك القرار في ما يريد من حياته الخاصة لذلك هل بدأت حكاية جون بمقتل كلب فقط ! هل هي بهذه البساطة !? لا جون لم يبدأ رحلته لهدف بسيط كالانتقام فقط من قاتل حيوانه الأليف, بل بدأ برحلة انتقام من ذاته القديمة “البابا ياغا” لاحقه في كل مكان وكل زمان دائماً شخصيات السلسلة تؤكد أن الانسان على ما تم سّنه به جون تم سنه بالرصاص والسكين وسيموت بهما, لا يستطيع أن يكون الزوج المحب الا عندما يقتل روح الشيطان الذي بداخله وهذا ما أكده له الماركيز دي غرامونت في الجزء الرابع من هذه السلسلة الرائعة.
منذ عام 2014 و تشاد ستاهلسكي مع كيانو رييفز شكلوا ثنائية للتاريخ مع هذه الشخصية. قدموا لنا ثورة على كل معايير الأكشن التقليدية بمساعدة الكثيرين من فرق تدريب الأساليب القتالية ومدربي الأسلحة النارية, لقد دقق تشاد على التفاصيل وكيانو صقلها بجهد خيالي لمدة تقارب ال 9 سنوات وقدم كيانو روحه لهذا العمل بنسبة تأدية مخاطر لا تقل عن ال 90% لوحده وتفاصيل كثيرة ، حمله لسلاحه، تلقيم سلاحه، قتاله باليد، بالسيف ، بالأسلحة القريبة المدى كلها كانت جمال مطلق ودقة بالتعامل مع صنف الأكشن الذي يلعبون به الفضل الأكبر كان لتشاد ورؤيته تجاه هذه السلسلة التي لم تخذلنا لسنوات.

تنبيه حرق :
يبدأ الجزء الرابع بعد أحداث الثالث بفترة قصيرة , جون تحت فترة من إعادة تأهيل جسده؛ يستعد لما هو قادم من الطاولة العليا ، لأنهم علموا أنه لم يمت . كيف يموت وهو أكثر من يتشبث بالموت لطالما كان ملك الموت يموت عندما يقتل الجميع.
علمنا الكثير من التفاصيل عن عالم الطاولة العليا وأعضائها الاثني عشر ومنفيذهم كالهارنجر والماركيز والمتعقبين أو “متعقبي الجوائز”. لقد أبدعوا مع كل جزء مضى في رواية القصة بهدوء مطلّق بدون التداخل مع إيقاع الأكشن الخاص بالفيلم. تعرفنا على الكثير من المعلومات تصاعدياً حتى أصبح الأمر غير مقتصر على نيويورك والكونتنتال الخاص بها بل على جميع أرجاء العالم, وكيف لا ! والطاولة العليا تتحكم بكل شيئ من كل مكان ؟
البشر، الحكومات ، الأعمال البسيطة “الشرطة” لا يوجد أحد يجهل وجودهم, عالم استعمره القتلة, كمذهب أو كعقيدة ويمكننا القول بشكل او بآخر انه تم الإشارة لعقيدة الحشاشين بالكثير من المرات في تقديسهم للقوانين والعمل بالظلال، أما القواعد المتحجرة في عالمهم تشبه قواعد مذهبية صارمة.
بشكل أساسي جون يسعى لإنهاء ما بدأه بإيقاف أنظمتهم وهز أسس وقواعد الطاولة العليا التي لم تسمح له بالابتعاد رغم كل شيئ ، هذه المرة تناولت القصة عدة اشخاص ، “جون، وينستون وشارون، الماركيز ، وكين وهيروكي سانادا العظيم جداً بدور “كوجي” مع ابنته “أكيرا” في كونتنتال اوساكا, كل هؤلاء الأشخاص ضحوا وبذلوا في سبيل “ويك” لإنقاذ نفسه وحياته تحت عنوان الأخوة كين أو الصداقة ككوجي.
مسار الأحداث كان متصاعد جداً ووصل للذروة في آخر ساعة تقريباً, جون أخذ حريته وأخذ صك الغفران من الطاولة العُليا ولكن بأي ثمن ؟ حياته .. نعم ورقد بسلام بعد حياة مليئة بالدماء والموت. من حقه أن يرقد بسلام بجانب زوجته كزوج محب وليس كقاتل أو كابوس الكثيرين “البعبع” ؛ قال وينستون “لم أعرف ماذا أكتب على قبر شارون لقد تِهتُ ما الذي يجب أن أكتبه ؟ صديق محب لأنه بالفعل لم يكن سوى أعز أصدقائي ؛ هذا السؤال جعل جون يفكر ما الذي أريده لخاتمتي ! ما الذي أريده على ضريحي ؟ لم يرد أن يكون الكابوس بل كان يُريد أن يكون الزوج المحب الذي ضحى من أجل حبه, لم يستطع أحد قتل البابا ياغا ولكن جون ويك من قتله واستراح.
ما الذي يمكننا قوله ؟ سلسلة قدمت الكثير على مدار عقد كامل وكانت وفية للفئة التصنيفية التي دخلت من بابها, الأكشن والإثارة وحتى الدراما. التمثيل أكثر من رائع, مشاهد الأكشن مُهيبة ومُحفزة للأدرينالين بجرعات لا تقل عن العشر ساعات؛ ممثلين من الطراز الرفيع, ولنا حديث مُنفصل عن بعضهم وأيضاً عن السينماتوغرافي التي كانت متفوقة عن سابقاتها ، كل الكادر السينمائي الذي عُرض كان مناسباً ليكون لوحة سينمائية, وخصوصاً في باريس واليابان وبرلين ، بالإضافة إلى تلك الموسيقا التصويرية التي كانت مألوفة ومطوَّرة عن سابقاتها بشكل ممتع ومتناسق مع إيقاعات القتالات. قدم تشاد ستاهلسكي تحفة مثالية ستكون من كلاسيكيات العصر القادم.
الجزء الرابع كان مثالياً على جميع الأصعدة بدون أي مبالغة, وخاتمة مثالية لشخصية تم بصمها بعقلنا السينمائي ، وداعاً جون ، وداعاً ! Farewell، my son
اذا أعجبك المقال يمكنك دعم الكاتب والمنصة عبر العملات الرقمية

GM in Cinatopia
Movie Critic
1 Comment
Comments are closed.