فيلم No Other Choice قنبلة سينمائية جديدة من المخرج القديم بارك تشان ووك

“يجب أن تختفي حتى أعيش أنا”

بهذه العبارة التي قالها يو مان سو أثناء ارتكابه أولى جرائمه يمكن فهم جوهر فيلم No Other Choice بأوضح صورة، فهو غوص في أعماق النظام الرأسمالي المتوحش الذي يُفرغ الإنسان من إنسانيته وقيمته الطبيعية، ويحوله إلى عبد يائس وضائع في فراغ من اللاقيمة، شديد التمسك بعبوديته بوصفها الخيار الوحيد الذي فُرض عليه وأُقنع بأحقيته فيه.

يحاكي الفيلم حالة التسابق الهستيري التي يعيشها المجتمع سعياً وراء الحصول على وظيفة، بما يشبه تماماً حالة الجنون في البحث عن الماء في عوالم Mad Max.

لطالما كانت فكرة “البقاء للأقوى” واحدة من هواجس السينما الأميركية التي كثيراً ما سعت إلى ترسيخ شرعيتها. لكن الجميل في السينما الكورية الجنوبية أنها تقدم الواقع من زوايا مختلفة تماماً، تلامسنا بشكل مباشر كأشخاص نعيش من أجل قوتنا اليومي، ونواجه مشكلات لم تكن يوماً جزءاً من اهتمام السينما الأميركية. وهذا ما يمنح أفلاماً مثل لا خيار آخر أصالة وجذوراً راسخة مسبقاً في عقول وضمائر أغلب المشاهدين.

بطريقة سلسة وهادئة، يُظهر لنا المخرج بارك تشان ووك كيف حولت الرأسمالية الإنسان إلى قطعة قابلة للاستبدال بسهولة بمجرد ظهور بديل أقل تكلفة حتى ولو كان أقل كفاءة، تاركة خلف تطورها الشكلي ملايين الضحايا الذين كانوا سابقاً جزءاً أصيلاً من بنيتها الهيكلية حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.

تكمن أهمية النص في هذا الفيلم في أنه استطاع، بعمق، أن يبقى قريباً من السطح، مكوناً خيوط تواصل متينة مع جذور المشكلة الطبقية، لأنه يجب أن يلازم تحديات الحياة اليومية للطبقتين الوسطى والفقيرة دون أن يحلق في خيالات أدبية منفصلة عن الواقع.

التصوير وحركة الكاميرا الانسيابية، وخصوصاً في الانتقالات بين المشاهد، كانت تروي حكاية منفصلة دون الحاجة إلى سيناريو منطوق، فقد كانت بحد ذاتها مكملة للنص الضروري الذي لم يحتج شخصيات إضافية للتعبير عنه، فالكاميرا هنا كانت تخاطب العقل بالتخاطر.

بعد كل الفظائع التي ارتكبها يو مان سو، لم يكن يطمح إلا إلى أن يحصل على مكانة عبد وحيد مؤقت، لا حياة حوله سوى ضجيج الآلات المزعجة في شركة ستتخلى عنه بمجرد إيجاد حل آلي لوظيفته عبر الذكاء الاصطناعي.

كان يو مان سو يدرك في أعماقه أنه الجندي الأخير في معركة النجاة هذه، ويعلم أنها مسألة وقت قبل أن يسقط، لكنه بالنسبة له وللملايين من المسحوقين حوله العالم فلا خيار آخر.

3 صوت - التقييم 5