بعد عودة الفاشية ومعايير التفوق الأبيض للهيمنة على مفاصل الدولة والمجتمع في أميركا والعالم الغربي، وظهور أجهزة أمنية عنصرية مثل جهاز ICE المخصّص لملاحقة المهاجرين والذي يشبه إلى حد كبير جهاز الاستخبارات النازية SS الذي كان يطارد اليهود في ألمانيا النازية، قرر المخرج بول توماس أندرسون أن يكون أحد أوائل جنود المقاومة الفنية ضد هذه المنظومة. ويُعد فيلم One Battle After Another بمثابة أول رصاصة سينمائية ثقيلة A-Grade تُطلق مباشرة نحو صدر الفاشية الترمبية الماسكية البيضاء.

يُعتبر فيلم معركة تلو الأخرى أول تعاون بين المخرج بول توماس أندرسون والنجم ليوناردو ديكابريو، وأول ظهور سينمائي للممثلة الشابة Chase Infinite، كما أنه أول عمل يجمع على الشاشة كلاً من ديكابريو وشون بن وبينيشيو ديل تورو. إنه وصفة جديدة على كل المستويات، أثمرت واحداً من أهم أفلام السنة.

قدم طاقم التمثيل بأكمله أداءً مذهلاً، وبذلوا جهداً حقيقياً يتعرق له جبين المشاهد. كانت Teyana Taylor نجمة الافتتاحية بلا منازع، حتى بوجود العملاق ديكابريو إلى جانبها، لم يتمكن أي عنصر من عناصر الفيلم من إخماد نار حضورها القيادي الذي أثار المشاهدين، وليس الملازم لوكجاو فقط. ثم يأتي ظهور ابنتها ويلا التي أدتها الواعدة Chase Infinity، فحققت مستقبلها المهني قبل أن يبدء بدور واحد فقط.

وعند الحديث عن التمثيل، يبقى هناك سلطان واحد لا يحتاج إلا إلى كاميرا تتوجه نحوه، الأسطوري ليوناردو ديكابريو. أنا لا أجيد فن التطبيل، لكن تمثيله يفرض إيقاع الطبول دون أن يقرعها أحد. أما تعاونه مع ديل تورو فقد منحنا لوحة تمثيلية عفوية تُثبت أن المزج بين الميثود أكتينغ وتقنية ميزنر هو أحد أهم ما وصل إليه فن التمثيل، ويتطلب عمالقة لأدائه بتلك الجودة.
من الناحية الإخراجية، كتبت الناقدة السينمائية ساندي ليلى:
“يمتلك بول توماس أندرسون بصمة إخراجية متفردة جعلته واحداً من أهم صناع السينما المعاصرة. كاميرته تبث الروح في الحبكة، تنزلق بسلاسة عبر فوضى الأحداث، وتخلق شعوراً حاداً بالتوتر والانقباض والترقب. في One Battle After Another قدم أحد أكثر أعماله نضجاً وجرأة، مازجاً بين روحه الساخرة ورؤيته السياسية السوداوية، دون أن يفقد بصمته البصرية الاستثنائية.
يتعامل أندرسون مع الفيلم كملحمة معاصرة، واضعاً المشاهد في قلب عالم فوضوي ينهار تحت أسئلة السلطة والعنف والعدالة والعنصرية. يطوّع الكاميرا لتصبح أداة سردية بحد ذاتها، تلاحق الشخصيات بقلق، تدور حولها وفوقها، تعبر بينها، وتتركها تهرب فقط لتعود وتواجهها.
المشاهد المتواصلة الطويلة تمنح إحساساً بأن كل شيء على وشك الانفجار، فيما تتحول المساحات الواسعة، كالحقول القاحلة والطرق الترابية، إلى رموز بصرية واضحة. عالم مكشوف لكنه مخيف، مفتوح لكنه خانق”
إخراج أندرسون هنا درس في كيف تصنع فيلماً سياسياً يصرخ ويضحك ويتأمل في الوقت نفسه. فيلم يدين الواقع لكنه لا يمنح إجابات سهلة، ويحول الحياة إلى معركة تلو أخرى، معركة تخوضها يوميا ضد نفسك.”
وأضيف أن أندرسون بلغ ذروة النشوة الإخراجية في مشهد الملاحقة، الذي سيُعتبر على نطاق واسع وطويل الأمد أفضل مشهد مطاردة سيارات في تاريخ السينما. فعندما قال سيرجيو كارلوس “أمواج البحر” كان يمهد لرحلة بحرية خيالية على متن ثلاث سيارات تتصادم فوق أمواج الإسفلت.

لكن لا بد من الإشارة إلى أن الموسيقى التصويرية كانت من عناصر الضعف في الفيلم، إذ بدت خاماً وغير متوافقة مع مستوى العمل العام، وربما قُصد منها الحفاظ على طابع هزلي طفيف، لكنها تبقى اختياراً غير موفق بأي حال.

CEO-Founder of Cinatopia
Movie Critic
