بعد رحلة مضنية استمرت قرابة ثماني سنوات، اختتم مسلسل The Handmaid’s Tale حكايته بنهاية تليق بآمالنا ورغباتنا، لقد كانت “حكاية الخادمة” علامة فارقة في تاريخ التلفاز، عملاً جريئاً، قاسياً، مؤلماً، يجسّد عالماً خيالياً ليس بعيداً عن الواقع كما قد نتوقع.
مع نهاية الموسم السادس والأخير، انتصرت جوون أوزبورن أخيراً، وسقطت غيلياد وقادتها الطغاة بفضل تضحية جوزيف لورانس، القائد الأعلى الذي لم يرغب يوماً في هذا الجحيم البشري الذي بُني كي يحتقر ويستعبد النساء باسم الرب.

عبر حلقات الموسم الأخير العشرة، تابعنا مسيرة جوون نحو الحرية. ورغم البداية البطيئة للأحداث في الحلقات الأولى، إلا أنها تسارعت باضطراد يتناسب مع ارتفاع وتيرة الصراع بين القطبين المتناقضين سيرينا وجوون. تعمقت أحداث الموسم في عقل سيرينا وروحها، ورأينا تأرجحها بين رغبتها النرجسية في أن تكون ملكة غيلياد المتوّجة، وبين روحها المعذّبة برؤية بنات جنسها يُعاملن معاملة الأثاث المنقول، بأداء مذهل من إيفون ستراهوفسكي، التي كانت في قمة نضجها كممثلة. أما جوون أوزبورن، فرغم كونها بطلة الحكاية، إلا أن شخصيتها لم تنل أي تطور ملحوظ، لا تزال كما كانت منذ خمسة مواسم، ثائرة، غاضبة، متهوّرة، ممزقة بين حريتها وحبها المحرّم لنيك بلاين. هذه العلاقة رسمت خطاً درامياً رومانسياً أضاف طبقة محببة من العواطف للأحداث التي تأرجحت بين الدموية والمثيرة للغيظ. لا شك أن أداء إليزابيث موس الرائع كان واحداً من أهم الأسباب التي جعلت جوون الشخصية الأيقونية التي أصبحت عليها.
أما بصرياً، وكعادة “حكاية الخادمة”، كانت هناك لقطات مدهشة وهوية بصرية أخّاذة. الكادرات المحكمة، الألوان المتقشفة، والإضاءة التي تستخدم الظلال كأنها تمزّق الصمت، كل هذا منح المشاهد تجربة بصرية لا تُنسى. كانت الحلقات التي أخرجتها إليزابيث موس بنفسها استثنائية، بدا أن الكاميرا في يدها تعرف تماماً متى تصمت، ومتى تقترب لتكشف أدق الانفعالات على وجه جوون.

لكن أكثر ما يلفت النظر في الموسم، وعالم “حكاية الخادمة” ككل، هو مدى قربه المقلق من الواقع، لو كنت مطلعاً على السياسة الأميركية، فلا شك أنك تذكر الجدل الذي رافق قرار المحكمة الأميركية العليا في يونيو 2022 بإلغاء الحق الدستوري للنساء في الإجهاض، قرار شكّل لحظة مفصلية جعلت “غيلياد” تبدو أقل خيالية، وأكثر واقعية مرعبة. فجأة، لم تعد “غيلياد” مجرد ديستوبيا أدبية، بل احتمالاً سياسياً قائماً، وخصوصاً مع عودة صعود القوى المحافظة إلى السلطة.
ولو عدنا إلى الشرق، سنجد مرآة أخرى أشد قسوة ومرارة، إذ أنه وفي كثير من دول الشرق الأوسط، لا تزال المرأة تعاني من أنظمة قانونية واجتماعية تعاملها كمواطن من الدرجة الثانية، أو كتابع للرجل. هناك “غيليادات” مصغّرة، لم تُبنَ على الخيال بل على فتاوى وتقاليد وأجهزة قمع مجتمعية، كثيرات هن النساء اللواتي يُحرمن من حق السفر، التعليم، العمل، وحتى الحياة أحياناً.
لم يكن المسلسل في هذا السياق عملاً ممتعاً مثيراً للإعجاب بقدر ما كان صرخة كونية، صرخة تقول إن هذه ليست قصة جوون فقط، إنها قصة كل امرأة كُتم صوتها، كُسرت إرادتها، وسُحقت إنسانيتها باسم الدين أو الشرف أو الرب.

كانت الحلقة الأخيرة هادئة كنسمة منعشة تخفف من وهج كل الآلام والقهر والذل الذي عانت منه نساء غيلياد، وعانينا نحن كمشاهدين طوال مواسم العمل. كانت نهاية كتبتها أم، وامرأة قاتلت كي تتحرر في عالم يحتقر وجودها ويرخص من قيمة حياتها. كانت نهاية لا لحكاية الخادمة، بل لحكاية كل النساء اللواتي عانين، ويعانين، وسيعانين من تسلّط مجتمعي يحرمهن من أبسط حقوقهن، نهاية نأمل أن نراها يوماً واقعاً ملموساً، لا مطلباً تقام لأجله الثورات.
لم تكن الحلقة الأخيرة صاخبة، بل جاءت كنسمة تمرّ على حطام مدينة كانت ذات يوم سجناً، كانت همسة امرأة أنهكتها المعركة، لكنها قررت أن ترويها كي لا تنسى.
انتهى The Handmaid’s Tale كمسلسل، لكن واقعه لا يزال مستمرًا. فحكاية الخادمة، هي حكاية كل النساء.

Movie Critic