في عصرٍ تحوَّل فيه الفنُّ إلى أداةٍ بيدِ النخبةِ لنشرِ البروباغاندا الخاصةِ بهم، ولِيدنِّسوا طريقًا بناهُ وعَبَّدهُ آلافُ الفنانينَ والفناناتِ الحقيقيين، يأتي فيلم Emilia Pérez كصَرحٍ عَفِنٍ للتعجرفِ والغرورِ النخبوي.

يروي الفيلمُ قصةَ زعيمِ مافيا مكسيكيٍّ وقرارهِ بإجراءِ عمليةِ تحوُّلٍ جنسيٍّ، مستعينًا بمحاميةٍ مغمورةٍ، ليعيشَ الحياةَ التي لطالما تَمَنَّاها، ويهربَ من ماضيهِ المُليءِ بالقتلِ والخطفِ والإجرام.

قد يبدو مبدأ الفيلمِ سخيفًا للوهلةِ الأولى، لكنَّك ستتأكَّدُ من سخافتهِ بعد مشاهدته. وفي هذا المقالِ، سنناقشُ كلَّ سببٍ جعلَ من فيلم Emilia Pérez بلا منازعٍ، أسوأَ أفلامِ عام ٢٠٢٤.

من رجلٍ إلى امرأة، ومن زعيمِ مافيا إلى قدِّيسةٍ، بقصةٍ متعجرفةٍ وهزيلةٍ فنيًّا يتحدث الفيلم عن الخلاصِ وإعادةِ الولادة، وبشخصياتٍ ضحلةٍ منفصلةٍ عن الواقع، يحاولُ الفيلمُ ليَّ يدِ المشاهدِ للتعاطفِ مع شخصيةِ زعيمِ المافيا، كأنَّ عمليةَ التحوُّلِ التي أجراها هي طقسٌ سحريٌّ لغَسلِ كلِّ الذنوبِ والخطايا التي ارتكبها. وقد أثارت سخافةُ هذا المبدأ سخطَ الجميع، حتى مجتمعَ المتحوِّلينَ جنسيًّا.

ولم يقفْ قطارُ الغضبِ الذي أثارهُ الفيلمُ هنا، إذ أكملَ المخرجُ الفرنسيُّ مهمتهُ بإهانةِ الحضارةِ والثقافةِ المكسيكية، من خلالِ تصويرِ المكسيكِ كمدينةٍ ديستوبيةٍ لا يوجدُ بها إلَّا الفقرُ وعملياتُ الطعنِ والخطفِ، ويحكمها تجَّارُ المخدرات، مستخدمًا مشاكلَ المكسيكِ كوسيلةٍ لدفعِ القصةِ إلى الأمامِ، بدلًا من أن تكونَ قضيةً يجبُ تسليطُ الضوءِ عليها ونشرُ الوعيِ بشأنها. كما تعمَّد غضَّ الطرفِ عن أيِّ جانبٍ جميلٍ ومُشرقٍ للمكسيكِ وحضارتها. وما زادَ الأمرَ سوءًا هو انتقادُ المخرجِ لمنتقديه، قائلًا إنَّ انتقاداتِهم قد أُطلِقَت بنيَّةٍ خبيثة، مما يطرحُ سؤالًا نعرفُ إجابته: لمن هذا الفيلمُ موجَّهٌ حقًّا؟

أمَّا أسلوبُ السردِ، فقد حوَّلَ مشاهدةَ الفيلمِ من مهمةٍ صعبةٍ إلى شبهِ مستحيلةٍ، فالأسلوبُ الذي اتَّبعهُ، بإعطاءِ المشاهدِ دقائقَ قليلةً من السردِ ثمَّ قطعِ أنفاسِ القصةِ بأحداثٍ فارغةٍ ومُماطِلة، أو بجعلِ الشخصياتِ تنفجرُ بوَصَلاتٍ موسيقيةٍ لا تمتُّ للموسيقى بصلة، فعادةً، في الأفلامِ الموسيقيةِ، تبدأُ الشخصياتُ بالغناءِ عندما تعجزُ الكلماتُ عن وصفِ مشاعرِ الشخصيةِ من حزنٍ أو فرحٍ أو حيرة، ولكن في فيلم إيميليا بيريز، تبدأُ الشخصياتُ بالغناءِ بلا هدفٍ أو داعٍ، فلا مشاعرَ في كلماتِ الأغاني، التي رافقتها رقصاتٌ أشبَهُ باختلاجاتِ مريضٍ في آخرِ لحظات حياته. وفي النهاية، ستسألُ نفسكَ: “ماذا فعلتُ لأستحقَّ كلَّ هذا؟”

والعجيبُ أنَّ كلَّ هذه الفظائعِ لم تُترجَمْ في حفلاتِ الجوائزِ السينمائية، حيثُ رُشِّحَ الفيلمُ لـ ١٣ جائزةَ أوسكار، و١١ جائزةَ بافتا، و١٠ جوائزَ نقادٍ، وقد حصلَ بالفعلِ على جائزةِ أفضلِ فيلمٍ موسيقيٍّ أو كوميديٍّ في حفل جوائز غولدن غلوب.

ومن هنا، نرى أنَّ الإيجابيةَ الوحيدةَ للفيلمِ هي إثباتُ أنَّ حفلاتِ الجوائزِ السينمائيةِ لم تَعُدْ أماكنَ يُحتفَلُ فيها بإنجازاتِ السينما والسينمائيين، بل أداةٌ بيدِ النخبةِ لإثباتِ مواقفِهم السياسيةِ من القضايا الاجتماعية، وضخُّ أجنداتهم تحتَ مُسمَّى “حبِّ الفنِّ السابع”.

ولكنَّ المثيرَ للضحكِ هو أنَّ فيلم إيميليا بيريز وقعَ ضحيةَ السياسةِ التي اتَّبعَها مُنتجوه، فبسببِ بعضِ التعليقاتِ المسيئةِ للمسلمينَ التي أطلقتها نجمةُ الفيلمِ على منصة X، وقعَ الفيلمُ ضحيةَ “ثقافةِ الإلغاء”، مما جعلَ شركاتِ الإنتاجِ تُبعِدُ نفسَها عنه وعن بطلته. إنَّها العدالةُ الشعريَّةُ في أبهى صورها!

3 صوت - التقييم 6

من Youssef Hourany

Movie Critic in Cinatopia