فجر المخرج الكبير كريستوفر نولان قنبلة سينمائية جديدة أحرقت شباك التذاكر في جميع أنحاء العالم.
فيلم Oppenheimer ليس مجرد فيلم بيوغرافي يدور حول سيرة حياة أبو القنبلة الذرية روبيرت اوبنهايمر بل يدور حول واحد من أكثر مفاصل التاريخ الحديث أهمية, حيث جمعت شاشة نولان هذه المرة كم هائل من الشخصيات التي أعادت تشكيل المسار التاريخي من علماء وسياسيين ومفكرين وعسكريين, وكل هذه الشخصيات اؤثقلت بنخبة ممثلين من الصف الأول الذين قدموا جميعاً لوحة تمثيلية أعتقد انها تتويج ذهبي لمسيرة أغلبهم الفنية وخاصتاً الممثل الكبير روبيرت دوني جونيور في دور السياسي ورجل الأعمال “ليويس سترواس” الذي وأخيراً حصل على فرصة لاظهار معدنه التمثيلي الخالص, واثبت بجدارة انه الرقم الصعب. والجديرة بالذكر ايضاً الممثلة الشابة Florence Pugh التي دخلت رسمياً مرحلة النضج التمثيلي في أدائها لشخصية Jean Tatlock وكذلك وبكل تأكيد بطل الفيلم كيليان مورفي في دور اوبنهايمر, فاستطاع التحكم بكل احترافية بمشاعر وسلوكيات تلك الشخصية المعقدة التي غيرت وجه العالم.

اخراج عبقري ورؤية جديدة ومختلفة عن سابقات نولان حيث أدخل رائحة التفاعل الذري على مدار الفيلم, كي لا ينسى المشاهد فظائع ما يحصل فعلاً, وأظهر بأفضل طريقة ممكنة صعوبة اتخاذ موقف اخلاقي واضح من تلك الأحداث الفظيعة في تاريخ البشرية, فالصراع الهائل الذي كان يدور بعقل اوبنهايمر بين الأخلاق والاجرام هو انعكاس للجدل نفسه الذي شغل العالم إلى الآن ! هل كان ثمن السلام يتطلب بالفعل تلك التكلفة ؟ أم كان هناك خيار آخر ؟ كل هذه الأسئلة تم طرحها بالفعل, لكن هذه مسألة لا يمكن الجواب عليها بشكل حتمي وواضح, فأحد تلك الاجابات التي طرحها اوبنهايمر عندما قال “يجب عليهم رؤيتها كي يخافونها” يقصد عن ما تسببه القنبلة الذرية من رعب, وبالفعل هذا ما حصل عندما انزل الجيش الأمريكي قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناغازاكي في 6 أغسطس عام 1945م مما أدت لقتل ما يصل إلى 140,000 شخص في هيروشيما و80،000 في ناغازاكي بحلول نهاية سنة 1945م وتعتبر هذه الحادثة هي اكبر جريمة بحق البشرية في التاريخ الحديث فأدت بالفعل إلى استسلام اليابان واعلان نهاية الحرب وبداية عصر الهيمنة الأمريكية على العالم. وهذا ما يفسر الانتقال المستمر بين المشاهد الملونة ومشاهد الأبيض والأسود في الفيلم فكل مشاهد الأبيض والأسود كانت من عيون من هم حول اوبنهايمر وبعد حدوث الجريمة الكبرى, والألوان كانت بأعين اوبنهايمر وبعض سياسيين الحرب مثل الرئيس الأمريكي هاري ترومان وقتها.

بالطبع الفيلم لا يستند فقط على الحقائق بل به بعض الأجندات السياسية الواضحة وخاصتاً في محاولة منهم لربط ميول اوبنهايمر بالحزب الشيوعي الأمريكي واتهامه بالتعاون مع السوفييت بمحاولة منهم لنفض جزء من المسؤولة عن كاحلهم وربط حتى جرائمهم الخاصة ولو جزئياً بالعقيدة السوفييتية, بالطبع المخرج كريستوفر نولان اذكى من أن يقوم يطرح تلك الأجندات بشكل فج, بل قدمها للمشاهد باسلوب ذكي ومقبول فاتسم قليلاً بعدم الأنحياز وأظهر مختلف الجوانب من جميع الأطراف وهذه نقطة ايجابية تحسب له ايضاً.
ركز الفيلم على الجانب الدرامي أكثر بكثير من الجانب الحركي وهذه برأيي نقطة سلبية لأن حجم ذلك الحدث يتطلب كمية أكبر من الابهار البصري والصوتي وخاصتاً في مشهد اختبار القنبلة في مانهاتن فكانت توقعاتي أكبر من ما رأيت فالتمهيد للحدث كان مثير أكثر من الحدث نفسه, كما انه تم التركيز على أحداث هامشية أكثر من التركيز على الحدث الرئيسي واظهار فظائعه بصرياً.
بالنهاية الفيلم يعتبر من أقوى أفلام سنة 2023 لحد الآن وهو من الأفلام التي سوف يكون لها نصيب كبير من ترشيحات الأوسكار برأيي وخاصتاً بفئة الأخراج والتمثيل والموسيقى التصويرية من تلحين السويدي Ludwig Göransson التي كانت تتصاعد وتيرتها مع تصاعد وتيرة الأحداث ولم تكن عبارة عن Loop فقط, بل كانت كالسيمفونية المنسجمة تماماً مع المشاهد حيث بدأت بنوطة وانتهت بنوطة اخرى على مدار 3 ساعات.

اذا أعجبك المقال يمكنك دعم الكاتب والمنصة عبر العملات الرقمية
Music Credits : Oppenheimer · Ludwig Göransson Oppenheimer (Original Motion Picture Soundtrack) ℗ 2023 Back Lot Music, a Division of Universal Studios Music LLLP Released on: 2023-07-21 Main Artist: Ludwig Göransson Producer: Ludwig Göransson Composer: Ludwig Göransson

CEO-Founder of Cinatopia
Movie Critic
1 Comment
Comments are closed.