قدَّمت لنا السنين القليلة الماضية عدداً ليس بالقليل من المخرجين الجدد الذين تركوا بصمتهم في عالم السينما، ويُعتَبر “شون بيكر” من أبرزهم، والذي وصفه البعض “بشاعر المجارير” حيث يبحث بيكر عن الرومانسية والأمل في أكثر أزقَّة المدينة قذارةً وسوداويةً، ويناقش مواضيع حسَّاسة غالباً ما تستحي الأفلام التجارية مناقشتها. ولطالما كان موضوع بائعات الهوى عالماً يهوى استكشافه في أفلامه، حيث سلط الضوء على هذا العالم عدة مرات في السابق، ليعيد الكرّة في فيلمه الأخير “Anora” الذي حصل على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان 2024.
يحكي الفيلم قصة “آني”، راقصة تعرٍّ في أحد الملاهي الليلية التي توقع الشاب الروسي الغني المتهور “إيفان” في شِباك حبِّها. ينتهي الأمر بزواج عصفوري الحب، وسرعان ما يختفي سراب النعيم المليء بالمال الذي لطالما حلمت به “آني” بعد وصول خبر الزواج إلى روسيا وإسراع والدي “إيفان” بالسفر إلى أمريكا سعياً لتدارك عواقب الموقف.
يناقش الفيلم موضوع بائعات الهوى بشكل سلس واحترافي. فهو موضوع ناقشته أفلام شون بيكر مراراً وتكراراً، ولكن غالباً ما كانت أفلامه السابقة تجري في نطاق ضيق، ليتوسع النطاق هذه المرة ليشمل فضيحة دولية وانضمام المافيا الروسية إلى قصته. وهو توسُّع جرئ وخروج عن الحدود التي اعتادها بيكر في اعماله السابقة.
قدَّم أبطال العمل أداءً رائعاً واقعياً، خاصة ممثلة شخصية “آني” ميكي ماديسن، التي عاشت شخصية بائعة الهوى بكل تفاصيلها، الجذابة منها والأليمة. ولكن الحصان الأسود والأداء الأفضل جاء من شخصية “إيغور” للممثل يورا بوريسوف، الذي قدَّم أداءً كوميدياً صادقاً دحر الكآبة من كل مشهد شارك فيه.
أما من ناحية القصة، فكان توجُّه سير القصة متبعثراً. فالفيلم الذي بدأ كدراسة درامية لحياة بائعة هوى في نيويورك، تحوَّل إلى فيلم رومانسي، مهملاً العناصر الدرامية التي بناها في القسم الأول. لتتحوَّل هذه الدراما سريعاً إلى كوميديا، ناسيةً ما بُني في القسمين السابقين، ليعود الفيلم إلى الدراما، ونحصل على نهاية محطمة للقلوب.
هذه البعثرة المقصودة أضاعت بوصلة الفيلم، ولكن كان الهدف منها هو بناء شخصية “آني” من عدة نواحٍ بشكل منفصل ومضاعفة تأثير النهاية.
اختار شون بيكر تقديم شخصية “آني” دون الغوص في ماضيها وأفكارها الداخلية، جاعلاً من المال المحرك الأساسي لأفعالها، ليُبيِّن عواقب هذا التفكير في نهاية الفيلم، التي ستبقى في ذاكرتك لفترة.
أما بخصوص حصوله على جائزة السعفة الذهبية، فبصراحة لا أعلم هل السبب كان ضعف أفلام هذه السنة أو التوجُّه اليساري القوي الذي لاحظناه للجَنَات التحكيم في 2024، حيث حمل لنا هذا العام أفلاماً (بالرغم من قلتها) ناقشت مواضيع أعمق بشكل أفضل وذات قيمة فنية أكبر.
Movie Critic in Cinatopia