الفيلم الفيكتوري الغريب Poor Things يقتحم أدمغة المشاهدين بكل ثقة وجرأة بالرغم من مجموعة أفكاره الغير مألوفة والمريضة ببعض الأحيان , فهل هو مجرد فيلم عابر فقط أم انه لوحة حية من لوحات الفنان فان كوخ وما اوجه الصلة الزمنية والفكرية بين سردية أحداث الفيلم ومسيرة حياة الفنان الهولندي !
الفيلم من اخراج Yorgos Lanthimos ومن بطولة Emma Stone و Mark Ruffalo و Willem Dafoe
علاقة الفنان فان كوخ بفيلم Poor Things
قدم الفيلم سلسلة متناسقة من اللوحات الانطباعية الحية التي خلقت جاذبية بصرية رائعة الجمال , جمالية منبثة بشكل مباشر من الخليط اللوني المميز للفنان فان كوخ , الذي اختار الوانه مرحلياً متأثراً بمراحل حياته ومطباتها العنيفة , فهو رسم لوحة “ليلة النجوم” في الوقت الذي كان فيه يتعافى من مرضه العقلي وتقاطع هذا الأمر مع “بيلا” في فيلم Poor Things عندما أصبح العالم من حولها يميل للأزرق والأصفر بالوقت التي كانت به تعيش شبه استقرار نفسي مقارنة بحياتها الكئيبة سابقاً التي كانت تتسم بانعدام الألوان , وهذا يبرر مشاهد الأبيض والأسود في مرحلة حياتها الاولى مع “غودوين داكستر” التي كانت أشبه بالسجن لكنه سجن من نوع آخر , انه سجن عقلي
تحليل الفيلم
يبدو الفيلم للمشاهد مريباً جداً بسبب المشاهد الدموية والجنسية المكثفة وبسبب بعض الظواهر والأشكال والمخلوقات الغير مفهومة , وكأننا نرى حلم سيريالي غريب , لكن هل هو بالفعل غريب أم أنه يعري الواقع تماماً والواقع هو الغريب حقاً ؟ كي نفهم ذلك بشكل أفضل يمكننا استعادة مقولة كلاسيكية نرددها دون أن نفكر بها وهي “انتزع الحقيقة من كلام الأطفال” وهذا بالضبط ما صوره الفيلم لكن باسلوب غامض جداً فهو بالحقيقة تعمق جداً في السلوك البشري إلى أن وصل إلى قمة البساطة والفطرية.
عندما قرر العالم المجنون “غودين” تبديل دماغ “بيلا” بدماغ طفل عمره 3 سنوات هو بالواقع استبدل صفات الفرد البالغ التي تتصف بالكذب والخداع مع صفات البراءة والعفوية , سلوك بيلا كان يعكس الانسان العاري والصافي تماماً قبل تكبيله بالقيود الاجتماعية الحديثة التي تفرض عليه ارتداء قناع لا يشبهه , بل قناع مقبول للمجتمع فقط , فباختصار ان بيلا كانت انسان طبيعي بمجتمع فقد الصلة بالطبيعة منذ زمن بعيد ولهذا السبب كانت تبدو غريبة الأطوار جداً.
الفيلم من الناحية الفنية
السيناريو ذكي جداً فهو كان موجه بشكل مباشر لداخل كل فرد بحد ذاته فكل تساؤول تم طرحه من جميع الشخصيات هو تسؤول منطقي لكن من الصعب التصريح به.
أداء النجمة ايما ستون يعتبر أفضل أداء قدمته في مسيرتها لحد الآن وهو تحدي أثبتت به انها قادرة على ترويض أصعب الشخصيات فكونها أدت شخصية ذات بعد نفسي معقد بشكل مفرط بهذه الحرفية يعني انها قادرة على السيطرة على جميع أدوارها القادمة في المستقبل حتى انها تفوقت أمام مارك روفالو بشكل ملحوظ.
الاخراج والسينماغراف حققوا حالة من التناغم الفني بكل هدوء وتوازن , وحركة اللقطات التي تتدور بها الشاشة وكأن الكاميرة تلتقط المشهد من وراء باب ما من خلال عين ساحرة هي حركة عبقرية وتعطي ايحاء دائم بأن الجميع مراقب بشكل مستمر , وهذا يعيدنا باللاوعي لقوقعة المجتمع وصعوبة العيش بحرية مطلقة.
الموسيقى التصويرية مريبة ومقلقة وبسيطة جداً فهي لا أكثر من بضع أصوات تتكرر على شكل لوب بين فترة والاخرى وكانت كافية لتكوين حالة من القلق الغير مفهوم.
معلومة مثيرة للاهتمام : الممثل ويليام دافو الذي جسد شخصية العالم “غودوين داكستر” هو الذي جسد شخصية الفنان الهولندي فان كوخ في فيلم السيرة الذاتية At Eternity’s Gate عام 2018
Music Credit : Jerskin Fendrix – Bella | Poor Things (Original Motion Picture Soundtrack)
CEO-Founder of Cinatopia
Movie Critic