تحليل فيلم Leave the World Behind ومعنى الغزلان المحير

الفيلم الذي سبب انقساماً واسعاً في الوسط السينمائي Leave the World Behind بين من وجده عميقاً جداً وبين من وجده سطحياً ومضيعة للوقت

بالرغم من فشل الفيلم تجارياً واعلامياً إلا انه من أكثر الأفلام اثارة للجدل لعام 2023

بعد ازدياد زخم أفكار نظريات المؤامرة والمؤمنين بها حول العالم وخصوصاً بعد تراكم أحداث ذات تأثير كبير جداً في السنوات الأخيرة في العالم جاء فيلم Leave the World Behind ليعطي منظور رؤية مختلف عن تلك النظريات ومدى ارتباطها بالواقع وإلى اي مدى قد تكون مخاوفنا التي نتجنب التصريح بها حقيقية.

يحتوي الفيلم كمية كبيرة من الأحداث الغامضة والتصاعدية لتُكون صورة عامة مخيفة عن مدى الأنهيار الذي وصل إليه المجتمع الإنساني نتيجية ما نعيشه اليوم تحت توحش أصحاب السلطة والقرار أو ما يدعوهم (بالدولة العميقة) وقد يكون ذلك أحد أهم الأسباب التي وضعت الفيلم تحت نيران المؤسسات الأميركية السلطوية التي تقوم الآن بحملة كبيرة لضرب تقييماته عبر نشر كم هائل من التعليقات السلبية عليه. يمكن الاطلاع على الأمر من هنا

وفي أحد الحوارات التي دارت بين جورج وأماندا يقول جورج :

“نظرية المؤامرة عن مجموعة تتحكم في العالم, هو تفسير سطحي للأمور, خاصةً عندما تكون الحقيقة مخيفة أكثر من ذلك .. وهي أن لا أحد يتحكم بشيئ. بالتأكيد هناك ناس أقوياء يحصلون على المعلومات بالتوقيت الصحيح لكن عندما تحصل أشياء كهذه في العالم وحتى من هم الأكثر نفوذاً في العالم .. هو أن يتلقوا تحذيراً”


لا يمكن معرفة ما الحقيقة بالضبط ولا يمكن معرفة ما اذا كان العالم متُحكم به من قبل مجموعة من أصحاب النفوذ أم أن تلك القوى الغامضة هي قوى دعائية لوهم المجتمع بأن الأمور بخير وأن كل شيئ تحت السيطرة, لكن بجميع الأحوال أن ما يحصل هو فوضى ! ولا يمكن اصلاحها, بغض النظر عن المسبب الذي لم يعد مهماً, ولهذا لم يتم الكشف عن الطرف الذي قد يكون هو من يستهدف المجتمع بالضبط, فقط تكون دولة أم منطمة أم أي شيئ آخر. لكن تراخي المجتمع ورفاهيته المُفرطة التي هي السبب الأساسي لغياب العقل والعيش في وهم الرخاء هو ما يحُول التراكمات إلى كوارث قاتلة, وهذا ما حاول المخرج سام اسماعيل تصويره من خلال ايضاح الفرق في التعاطي مع الأحداث بين العائلة البيضاء التي تعتقد أن كل شيئ جيد وثقتها بالسلطة لا يشوبها ادنى شك, وبين العائلة الافريقية التي تمتلك تجارب أكثر وأقرب للواقع وتعرف تماماً كيف تعمل السلطة.

وفي مقاربة مهمة في أحد أحداث الفيلم عندما تسقط أسنان “آرتشي” ابن “كلاي” بسبب صوت قوي وغريب مجهول المصدر يتكرر في فترات زمنية متساوية, فيقوم “جورج” بأخذه إلى أحد جيرانه القدماء لطلب المساعدة بينما والده “كلاي” لم يكن يعلم ماذا سوف يفعل سوى التوسل, وعند وصولهم لجارهم الذي يُدعى “داني” الذي يُجسد طبيعة المجتمع الغربي الأنانية والفرداني رفض الأخير مساعدتهم بالبداية وحاول ابعادهم بتهديد السلاح. وهذا يعبر عن سقوط جميع مبادئ وأخلاقيات هؤولاء الذين يدّعون التحضر في وقت الأزمات.

الطفلة “روز” هي صلة الوصل لجميع الأحداث ومعنى الغزلان

في خضم كل تلك الأحداث التي تجري, هناك مفتاح وحيد يمكن فهم كل شيئ من خلاله, وهو ابنة “كلاي” الطفلة “روز” التي كانت ترى كل شيء لكن لا أحد يسمعها أو يعيرها أي انتباه, وهي برأيي تُمثل التحذير المبكر أو العارض المبكر الذي يتم تجاهله من قبل غالبياً المجتمع ويبقى هذا العنصر محط سخرية إلى حد وقوع الكارثة, فيبدأ المجتمع بالهلع ويتناسا التحذيرات الأولية, ويمكن فهم ذلك كتحذير ولفت انتباه العالم للتغير المناخي الذي أصبح من الصعب ضبطه ومعالجته وقد يكون ذلك أقرب ربط منطقي لسلوك الغزلان الغريب في الفيلم, فهم يجسدون الطبيعة وعودة سيطرتها وفقدان البشر للسيطرة على حضارتهم وتقنياتهم التي أصبحت بحالة تحكم ذاتي كما حصل في مشهد سيارات التيسلا المحطمة والطائرات التي بدأت تتساقط والسفن التي بدأت تغرق, ولهذا السبب كانوا الغزلان يتصرفون بقوة ودون خوف في مناطق مأهولة لأن الانسان بدأ بالتقهقر وفقدان مكانته.

النهاية

في تفسير النهاية يجب العودة ولا بد للطفلة “روز” مرة اخرى التي كانت تُعبر ايضاً عن وجه الانسان البريئ الذي يريد العيش فقط والاهتمام بشؤنه الخاصة ولا يهمه كل تلك التعقيدات “فروز” كانت ترغب بمشاهدة حلقة من مسلسل Friends وعندما وجدت مبتغاها اخيراً في أحد ملاجئ الأغنياء المخصص للاختباء في حالات الكوارث الضخمة قامت بتشغيل الحلقة التي تريدها واكتفت بالمشاهدة, متجاهلة كل ما يحصل في الخارج, لأن الانسان أناني لكنه يتأقلم والحياة تستمر.


اذا أعجبك المقال يمكنك دعم الكاتب والمنصة عبر العملات الرقمية

10 صوت - التقييم 4.7