لطالما كنا نتسائل ما الذي شكل البداية الحقيقة لعالم التلفزيون في العقود الأخيرة على صعيد السيناريو والحبكة الدرامية وما الذي جوهر أعمال وقتنا الحالي على هيئتها الحالية, حتى سمعنا في أحد الأوقات “فينس غليغان” يقول بأحد المقابلات عن مسلسله Breaking Bad “لا وجود لوالتر وايت بدون توني سوبرانو ولا وجود لبريكنج باد بدون السوبرانوز “
في البداية قد يعتقده البعض تصريح مبالغ به بهدف المجاملة لكن لن يفهمه الكثير حتى يعرفوا ماهو ال The Sopranos بالضبط.

– شر مطلق
قصة هذا العمل عن حكاية “توني سوبرانو” زعيم المافيا الايطالية / الاميركية في ولاية نيو جيرسي , وكيف يتعامل مع حياته الاجرامية والعائلية في آن واحد، ربما سنعتقد انها قصة كوميدية لجلب البهجة على وجوهنا وللاستمتاع والتسلية فقط لكن شخصية “توني سوبرانو” كانت بالفعل من أكثر شخصيات التلفاز قتامة في التاريخ لأنه لايوجد أسوء من شر مُطلق يعتقد بنفسه البراءة.
– علامة قابيل
عندما وُلد الانسان قالوا لنا انه وُلد من جريمة , عندما قرر قابيل قتل أخاه “هابيل” , وصم الجنس البشري بأكمله بسفك دماء بعضهم البعض لنهاية الزمان وهذه كانت علامة “قابيل” علينا.. ولكن بتشريح “السوبرانو” سنجد التجسيد الأمثل للشر الذي لايمكن علاجه , للشر الذي تم نحت بُنيان البشر عليه منذ فجر الخليقة ، عندما قرر “ديفيد تشيس” صناعة سيناريو “السوبرانوز” بهيكله قام بصناعة وهم لنا نحن المشاهدين عن شخصية “توني” عن انها شخصية تبحث عن الخلاص أو انها تخاف مما ستصبح عليه بالمستقبل البعيد , لحوالي ال 86 حلقة اعتقدنا انها حكاية عن بطل يصنع ارك الغفران الخاص به ولكن انوجدت بمسار القصة أحداث مفصلية أثبتت لنا أن كينونة “توني سوبرانو” هي كينونة شيطانية بالمطلق ، ولم تكن تبحث عن اعذار , لم تكن تبحث عن حجج لأنها لم تكن سوا أقبح من ذنوبه.

-شر لايمكن علاجه بالطب النفسي
شخصية الدكتورة “ميلفي” لطالما حاولت الابتعاد عن “توني” عندما فهمت حقيقته بالكامل ، مرة والثانية والثالثة لكن لطالما اوقفتها رعشة الدوبامين بعقلها لانها لم تكن تعالج انساناً عادياً , لم تكن تعالج مدنياً عادياً بل زعيم الكوزا نوسترا في ولاية نيو جيرسي زعيم شلة من الأشخاص الذين لا يخافون أحداً ، قتلة، ومختلين عقلياً همهم الوحيد هو العائلة والولاء والشرف , وكل مايفعلوه من أجل العائلة. فهل سيكون زعيمهم أفضل منهم أو ذلك الورع والتقي الذي يحاول أن يُنقذ نفسه ، لا ! للأسف “توني” ليس البطل الذي نبحث عنه , صحيح ربما كان أباً جيداً وهذه النقطة عليها الكثير من الخطوط.. ورجل عائلة حريص على أمان عائلته ولكنه كان يخون كل القيم التي يتغنى بها في كل فرصة تصلح له ، لذا لا أحد يمكنه علاج المكسور منذ الصغر ، لأن هذه الشخصية تخللها شر حتى “فرويد” بذاته لايمكنه علاجه وهذا ما أكد عليه الدكتور “ايليوت” في لقائاته مع الدكتورة “ميلفي”.
– الين واليانغ و لعنة السوبرانو
علامة “اليين واليانغ” ترمز لكيفية عمل الأشياء في العلم الصيني القديم. الدائرة الخارجية تمثل (كل شيء) بينما الشكلان الأبيض والأسود داخل الدائرة يمثلان التداخل بين طاقتان متضادتان ، طاقة اليين «الأسود» وطاقة اليانغ «الأبيض» الطاقتان المؤديتان لحدوث أي شيء في الحياة , و”السوبرانو” رجل العائلة ورجل المافيا أبيض وأسود تماماً مثلهم مثل أي شيء آخر في الحياة لا يكون أبيض تماماً أو أسود تماماً ، ويحتاج كل منهما للآخر فهو مكمل له ولا يتواجد أي منهم دون الآخر. بينما زعيم المافيا هو الظلام ، السكون ، الأسفل ، البارد ، الانكماش والضعف فإن كونه رجل عائلة هو النور، النشاط ، الأعلى ، التمدد والقوة بشخصيته كزوج وأب مُحب لأطفاله. وتُعتبر علامة اليين واليانغ رمزاً للديانة الطاوية ، اسلوب الحياة وهو اليانغ واليين. هو عدم مطلق ، لا صحيح ولا خطأ ، التغيير الثابت ، الحكم الذاتي ، لا اجبار.
– أعمدة القصة ومتمميها
مايجعل عالم “السوبرانو” عالم مميز ، لا نقصد التكرار , ولكن هو التنوع حتى بالشخصيات الرئيسية والثانوية , عائلة “السوبرانو” بحد ذاتها ورفاقهم وزملائهم وأتباع “توني” كل منهم يملك جزءً من القصة وطرف منها , فمنهم من استحوذ على انتباهنا بشدة “ككريستوفر مولتيسانتي” و منهم من كانت حكايتهم مؤلمة وسريعة ك”بوسي بونبنسيرو” والعديد منهم الذين امتزجوا بعالم واحد بتناسق رهيب بين بعضهم البعض , وكان هنالك فضل كبير للسيناريو الشيق والحبكة الكثيفة نسبياً وحب الممثلين لبعضهم البعض انتج لنا حكاية طويلة جداً لم نشعر بسرعة مرورها حتى انتهينا منها , ويالها من مرارة قد شعرنا بها عند المشهد الأخير. جميعنا نعلم بالضبط عما أتحدث.

– بالمجمل والحصاد الفني لهذه القصة
في البداية يجب علينا أن نمدح السيناريو وحبكة القصة التي ما أنفكت لتفاجئنا بقوتها وجبروتها بمواطن القصة المهمة خلال المواسم الستة ، عدا ذلك كاست العمل , وعلى رأسهم “جيمس غاندولفيني” الذي قاد طاقم تمثيلي متناغم ومتفاعل كيميائياً , على مدار سنوات طويلة , لقد رافقنا “جيمس” برحلة امتلئت بالابتسامات والضحك والخوف والحزن والسعادة والرعب والخوف , قصة “السوبرانو” كانت قصة تحتوي كل شيئ , كانت قطعة واحدة تمتلك كل مايمكن أن يُفكر المتابع به , فإذا أردت مسلسل كوميدي ستجد , مسلسل ذو عمق نفسي ستجد ، وهذا برأيي ما جعل هذه الحكاية بهذا العمق , انها احتوت كل شيئ بدون تكلف , وكيمياء رهيبة جعلتنا نشعر بشتى المشاعر بسهولة مطلقة.
اذا أعجبك المقال يمكنك دعم الكاتب والمنصة عبر العملات الرقمية
Music Credit : Woke Up This Morning (Chosen One Mix) · Alabama 3 La Peste ℗ 2000 Elemental Records

GM in Cinatopia
Movie Critic